
بعد سنوات طويلة من البؤس والمعاناة، ها قد حلت اللحظة التي اقترب فيها جمال من تقديم حفل الـ «وان مان شو»، أو الأداء الفكاهي الفردي. شعر بأن عمله اكتمل واقترب من النهاية المأمولة. لا بل إنه صار الآن يملك تلك الوسيلة العجيبة التي تجعل صوته يصل إلى الجمهور من غير عناء، أي الميكرو الصغير الذي يثبت على ربطة العنق، أو «الميكرو كرافات».
قبل أشهر عدة، تحدث جمال مع أمه في الموضوع.» سرعان ما أدركت قصدي، يروي جمال. كانت أمي متضامنة معي في كل شيء (...). كانت تسعد كثيرا عندما تراني حققت ما أريد. اضطرتْ إلى اقتراض 40 ألف فرنك، أي ما يوازي راتبها الشهري لستة أشهر، كي أحصل على هذا الميكروفون. وذلك لأنه قيل لها إن هذا الميكرو ضروري لأصبح ممثلا. ليس لأنها تؤمن فعلا بأنني يمكنني أن أنجح في ذلك، لكن لأنها كانت تريدني أن أفعل ما يعجبني.»
إلا أن الميكروفون سيساوي أقل من الثمن المتوقع. كيف؟. قصد جمال وزارة الثقافة حيث التقى خالد القنديلي الذي عين في ذلك الوقت مكلفا بمهمة لدى الوزير فليب دوست بلازي من أجل إطلاق برنامج «ثقافة- اندماج- شباب» في أحياء الضاحية على نموذج «رياضة- اندماج- شباب».
تقدم القنديلي بطلب دعم حكومي لفائدة الفكاهي المبتدئ وظل يتابع الموضوع عن قرب حتى باتت حكاية الميكروفون المحمول على لسان الجميع في الوزارة. من جهته، حرك أحمد الغياث علاقاته الخاصة. «كنت أعرف سفير المغرب في فرنسا، محمد برادة، يتذكر الغياث. وفي أحد لقاءاتنا، حدثته عن هذا الصبي الموهوب الذي يتشبث بولوج عالم الـ «وان مان شو»، والذي يحتاج إلى «ميكروفون- كرافات» ليقدم أعماله على الخشبة لأنه يعاني من عاهة في ذراعه. بعد أسبوع، هاتفني السفير ليقترح علي تنظيم حفل عشاء خاص في إقامته بمدينة نولي على شرف جمال، وبحضور شخصيات نافذة لها علاقات بالمغرب.»
جمع الحفل، فضلا عن أحمد الغياث ودمنيك ستراوس كان وآن سان كلير، كلا من مارك لافوان وساراه بونياتوفسكي، اللذين عقدا قرانهما في مراكش، وفردريك ميتران وكلود سريون إضافة إلى صحافيين أو ثلاثة...
وصل جمال إلى الحفل مرفوقا بوالده أحمد على سيارته، التي كان ينوي أن يظل منتظرا فيها إلى غاية انتهاء الحفل والعودة مع ابنه من حيث أتيا. إلا أن السفير المغربي أبى إلا أن ينضم أحمد الدبوز إلى الحفل.
في نهاية اللقاء، همس برادة في أذن أحمد الغياث سائلا إياه إذا ما كان بوسع جمال أن يقدم سكيتشا أمام الحضور. طبعا، كان جمال يتوقع طلبا كهذا، فحضر سكيتشا لهذه المناسبة وقدمه أمام الحضور، الذي أعجب بموهبة هذا الفكاهي الشاب.
بعد بضعة أيام فقط، أرسل السفير المغربي للموهبة الصاعدة شيكا بمبلغ 20 ألف فرنك «من حسابه الخاص»، يؤكد أحمد غياث.
ركز جمال، رفقة أستاذه ومخرجه بابي، على التدقيق في عرض الـ «وان مان شو» الذي واظب على تحضيره طويلا. إلا أن ظروف التحضير لم تكن أبدا سهلة، بل لقد عانى الاثنان من عدم وجود قاعات تصلح للعرض؛ أما إذا وجدت، فقد يأتي من يزعج سير العمل؛ وهو ما يضطر الاثنين في حالات كثيرة إلى مبادلة المزعجين من أبناء الأحياء بنفس العنف اللفظي، فيكون جمال موضوع هجوم لفظي آخر من قبيل: «لست إلا خائنا، إذهب إلى الجحيم أنت وأصلك.» وقد يرد جمال بكلام مثيل من قبيل: «أنت من تذهب إلى الجحيم، يوما ما ستراني أقود سيارة مرسيدس.»
حلم جمال بأن يقدم أول عرض له في قاعة العرض الجديدة لاميريز، في حي لي ميريزيي، التي افتتحت مؤخرا وسط حفل كبير. إلا أن المشرفين على القاعة رفضوا ذلك لأنهم اعتبروا أن جمال ما زال دون مستوى أن يقدم عروضه في هذه القاعة؛ وهو ما أغاظه كثيرا. لكنه، توعدهم بأنه سيعود يوما ويقدم عروضه فيها، حين سيتزاحم الجمهور على عروضه ويؤدي الثمن الغالي من أجل حضور عروضه. كان عليه أن يكتفي، إذن، بالقاعة القديمة جون باتيست كليمون.
كان الموعد حاسما، لا مكان فيه للخطإ، خاصة أن جمال يعرف أن هنالك من يترصد ويتمنى وقوعه حتى لا ينجح في مساره. «لو فشلت، يقول جمال، سيكون من الصعب علي القيام من جديد لتجاوز الوضع... عموما، إن لم أنجح في تقديم الفرجة للناس فلن أنجح في أي شيء آخر. فأنا لا أصلح حتى لأكون عامل زبالة بسبب ذراعي المعاقة. ما أريد أن أفعله هو الفكاهة، أريد أن أضحك الناس وأن أكسب مالا أساعد به أسرتي.»
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire